مجاعة مدغشقر.. أولى ثمار التغير المناخي
مجاعة مدغشقر.. أولى ثمار التغير المناخي
باسم ثروت
بدأ العالم جني ثمار ما فعل من إهمال وضرر للبيئة طوال القرون الطويلة الماضية، فقد مضت الدول في ثوراتها الصناعية والحضارية ضاربه بالبيئة والمناخ عرض الحائط، مًغلبة المصلحة والتصارع فيما بينها على القمة والريادة فوق أي اعتبارات أخرى، متناسية ان الغد يبدأ من تخطيط اليوم.
فكانت أولى ثمار التغيرات المناخية، مجاعة ضربت مدغشقر منذ بداية العام 2021، واشتدت حدتها في موسم الجفاف في الصيف، جفاف هو الأسوأ منذ أربعة عقود، أصاب المجتمعات الزراعية بالضمار العاجل في جنوب البلاد، ما جعل العائلات تذوق مرار الجوع وتبحث عن الحشرات تقتات عليها لتبقى على قيد الحياة.
فقد شهدأقصى الجزء الجنوبي من مدغشقر، الذي يعيش فيه 91% من السكان في الفقر المدقع، هطول أمطار أقل من المتوسط على مدى السنوات الخمس الماضية، بينما يعتمد معظم سكان الجنوب على الزراعة صغيرة النطاق للبقاء على قيد الحياة، ولكن بسبب الجفاف جفت الأنهار وسدود الري.
ما دعا مساعد مدير برنامج الأغذية العالمي في مدغشقر أدوينومانغوني، في أوائل شهر نوفمبر، إلى التحذير من أن ظاهرة الاحترار العالمي نتيجة الأنشطة البشرية هي السبب الرئيسي في المجاعة التي أصابت مدغشقر، منوهاً بأن هذه الحالة الأولى من نوعها وقد لا تكون الأخيرة.
علاوة على ذلك، تسببت المجاعة في وصول عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في مدغشقر إلى 1.3 مليون شخص، كما يواجه نحو 400 ألف شخص أخطار المجاعة، ويعاني 500 ألف طفل حالياً من سوء التغذية، بينهم 110 آلاف يعانون من سوء تغذية حاد وهم على بعد خطوات قليلة من الموت.
كما ارتفع مستوي أسعار المنتجات الغذائية في مدغشقر بمعدلات غير مسبوقة منذ العام الماضي حسب برنامج الأغذية العالمي الذي يشير إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية،حيث أظهرت اتجاهاً تصاعدياً مقارنة بالعام الماضي في الفترة ذاتها، فمثلاً حدثت زيادة 56% للكسافا، 48% للزيت المستورد، 37% للذرة، 12% للأرز المحلي وكذلك 10% للأرز واللوبيا المستورد، هذا التضخم الواسع النطاق يرجع إلى الضعف الشديد في إنتاج القطاع الزراعي هذا العام بسبب الجفاف، وارتفاع تكاليف النقل، والأثر السلبي الدائم لتدابير التخفيف ضد جائحة كورونا.
وأشار برنامج الأغذية العالمي في تقريره الصادر في أكتوبر 2021، غلى أن عمليات البرنامج تواجه نقصاً حاداً في التمويل، حيث يواجه برنامج الوجبات المدرسية نقصاً في التمويل قدره 8.2 مليون دولار أمريكي للأشهر الـ12 المقبلة، أما التدخلات التغذوية فبلغ العجز في تمويلها لمدة عام 7.3 مليون دولار أمريكي، ولتنفيذ أنشطة الصمود يحتاج البرنامج إلى تمويل قدره 12.3 مليون دولار أمريكي، أخيراً يطلب البرنامج بشكل عاجل 2.1 مليون دولار أمريكي لأنشطة الطوارئ والتأهب للاستجابة.
وبشكل عام يحتاج البرنامج إلى 79.5 مليون دولار، لتوفير الغذاء المنقذ للحياة في الست أشهر القادمة (نوفمبر2021- أبريل2022) في مدغشقر.
يجب على الدول الموقعة على اتفاقية باريس للمناخ التي تعهدت بتخصيص أكثر من 100 مليار دولار لمواجهة التغير المناخي، التدخل العاجل لمساعدة مدغشقر في تخطي الأزمة قبل أن تتحول المجاعة لواحدة من أسوأ الكوارث البشرية في القرن الـ21.
ولا يقتصر التدخل في مدغشقر على التمويل فقط أو على توفير المواد الغذائية اللازمة للعائلات، إنما لا بد أن تذهب المساعدات إلى أبعد من ذلك، فمثلاً تعليم السكان والحكومة في مدغشقر كيفية مواجهة التغير المناخي والتغيرات الناتجة عنه كالجفاف، كما يحتاج جنوب مدغشقر إلى أنظمة ري حديثة موفرة للمياه، إلى جانب تعليم المزارعين زراعة المحاصيل التي تتحمل الجفاف وكذلك تربية سلالات من الماشية أكثر قدرة وتحملاً للمناخ الحالي.
أي ذنب ارتكب هؤلاء القرويون فهم لم يشاركوا بشيء في التغير المناخي ولم يسهموا في ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة، لم يكونوا سوي مزارعين يبحثون عن قوت يومهم.
في النهاية، لا بد أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته قبل أن يفتك المناخ بالجنس البشري برمته، فكما وجدنا لقاحات لفيروسات كادت تفتك بالبشر يمكننا أيضاً وضع حلول جذرية عاجلة للتغيرات المناخية.